مشاريع سكك الحديد في العراق والتكامل مع دول المنطقة العربية الشرقية

في بداية القرن العشرين، كانت الإمبراطوريتان العثمانية والبروسية تسعيان لتعزيز صداقتهما وتعزيز التعاون الاستراتيجي بينهما من خلال مشروع بناء سكة حديد تربط بين برلين وبغداد. كان الهدف من هذا المشروع هو تحقيق مصالح مشتركة وتعزيز العلاقات الثنائية بين الإمبراطوريتين. ولتحقيق هذا الهدف، زار الإمبراطور البروسي غليوم دول المشرق للترويج للمشروع والضغط على مصرف “دويتشه بنك” لتمويله.

وقد قبلت السلطنة العثمانية منح “امتياز عثماني” لهذا المشروع، بهدف تعزيز صورتها وتقوية مكانتها الدولية. ومن جانبها، كانت الإمبراطورية البروسية تسعى إلى فتح خط مواصلات بري إلى الشرق الأوسط لتجنب الاعتماد على الخط البحري إلى الشرق وكان ذلك يهدف أيضًا إلى ضرب المصالح البريطانية والفرنسية.

في الوقت الحاضر، قامت العراق بالموافقة على بناء سكتي حديد. الأولى تمتد من ميناء الفاو الكبير جنوب العراق إلى خورمشهر على الحدود التركية. هذا الخط يهدف إلى تعزيز التجارة والسفر بين العراق والدول الخليجية ويوفر وسيلة للشحن المباشر إلى تركيا وأوروبا ووسط آسيا.

ومع ذلك، تم التوقيع لاحقًا على خط سكة حديد ثاني يبلغ طوله 32 كيلومترًا بين شلامجة في إيران والبصرة في العراق، وتم تخصيص 230 مليون دولار لبناء هذا الخط الفرعي.

هناك خلاف بين العراق وإيران بشأن هدف هذا الخط الفرعي، فبينما تقول الجهة العراقية إنه مخصص لنقل الركاب إلى العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، تقول الجهة الإيرانية إنه يستخدم لنقل الركاب والبضائع وربط خطوط السكك الحديدية الإيرانية بالسورية عبر العراق.

هذا الخلاف يتعلق بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية بين العراق وإيران، بالإضافة إلى التفاصيل التقنية للخط.

وتم الإعلان عن بناء جسر متحرك عبر شط العرب في العراق بطول 880 مترًا من قبل مقاولين إيرانيين، ومن المقرر أن تقوم شركة السكك الحديدية العراقية ببناء البنية التحتية للمشروع.

وتقول وزارة الخارجية الإيرانية أن ربط شلامجة بالبصرة سيعزز حركة الركاب والبضائع بين البلدين ويوفر ربطًا بين شبكة السكك الحديدية الإيرانية والسورية عبر العراق.

هناك أيضًا خطة لإضافة خط سكة حديد فرعي آخر يمتد من شمال العراق إلى سوريا عبر منطقة شرق الفرات، وهذا الخط يهدف إلى ربط السكك الحديدية الإيرانية بالسورية عبر العراق.

مع التوترات الإقليمية الحالية وتصاعد دور إيران في المنطقة، يبدو أن الهدف من ربط السكك الحديدية بين إيران وسوريا هو استراتيجي وعسكري.

وأعلن وزير النقل العراقي عن تنفيذ خط سكك الحديد لنقل المسافرين بين شلامجة والبصرة، وأشارت جريدة “الشرق الأوسط” إلى أن الهدف من هذا المشروع هو نقل المسافرين فقط وليس البضائع، وهذا يهدف إلى تنشيط السياحة الدينية بين البلدين ووسط آسيا.

وبالنظر إلى التطورات الراهنة والتوترات في المنطقة، يبدو أن تأجيل بناء الخط الفرعي الذي يربط السكك الحديدية الإيرانية بالسورية هو الخيار الأفضل حاليًا، حيث يمكن أن يكون الخط والعربات عرضة للتخريب في ظل التوترات العسكرية القائمة.

لماذا يقوم العراق بإنفاق ملايين الدولارات على مشروع في منطقة معرضة للنزاعات العسكرية؟ وما هي مصلحته في ذلك؟ وبالنسبة لربط السكك الحديدية الإيرانية بالسورية، هل هناك فعلاً مصلحة للعراق في هذا الربط في ظل التوترات والصراعات السابقة؟ يبدو أن هذا الربط ليس من مصلحة العراق من الناحية الاقتصادية أو الاستراتيجية في ظل التوترات الإقليمية الحالية.

من الأفضل الانتظار حتى تتحسن العلاقات الدولية والإقليمية مع سوريا ويتم إعادة إعمارها، وعندئذٍ يمكن للعراق أن يبدأ في النظر في مشاريع توسعية تخدم مصلحته الاقتصادية والاستراتيجية. توجد خيارات أفضل للاستثمار في هذا الوقت.